Monday 6 September 2010

الاسبوعية 6-9-10

انتقام امرأة

خالد القشطيني

اشير مرارا بأن من يريد ان يفهم حاضرنا عليه ان يرجع لتاريخ اوربا في القرون الوسطى. لهذا يحلو لي دائما متابعة ذلك التاريخ. وكان من حصاد هذه المتابعة قصة الملكة ايزابلا و ما فعلته بزوجها الملك في القرن الثالث عشر. ننبهر في هذه الأيام بمدنية الغربيين و لكن هذه القصة تعرض لنا ما كانوا عليه من الهمجية و القسوة المتناهية التي تجعل كل ما سمعناه من قساوات تاريخنا و حاضرنا نعيما و بلسما بالنسبة لها. وفي ذلك عظة و العظة هي في استيعاب سنة التطور التي خلصت الاوربيين من تلك الهمجية.
كان ادوارد الثاني ملكا غريب الأطوار. شق عصا الطاعة على كل الاعراف الملكية لعصره. و منها انه كان مبتلى بالشذود الجنسي المثلي . ولكنه اختلف عن الآخرين من امثاله في مصارحته به و ممارسته علنا. اعتبرت زوجته الملكة ايزابلا ذلك اثما خطيرا و قررت غسل انكلترا من ذلك العار و الخطيئة الدينية. قالت الزواج ميثاق مقدس بين رجل و امرأة. هربت منه و عبرت الى فرنسا حيث استطاعت ان تعد جيشا جرارا تغزو به انكلترا و تطهرها من هذا الاثم. تم لها ذلك و قادت الجيش الى لندن و انتصرت على زوجها الذي هرب الى سومرست. بيد انها استطاعت ان تلقي القبض على عشيقه فأمرت بقطع خصيتيه و عضوه الجنسي، الذي نافسها في زوجها! ثم امرت بقطع رأسه (رأس الرجل) و تعليقه على رمح فوق جسر لندن ليكون عبرة لمن اعتبر.
اعادت تجميع جيشها و مضت في مطاردة زوجها فدحرته مرة ثانية في معركة حاسمة . لاذ بأحدى القلاع العتيدة. حاصرتها حتى استطاعت في الأخير اقتحام القلعة واعتقاله. و يا ويل ما امرت به! امرت بتسخين قضيب حديدي على النار حتى اصبح احمر كالجمر. ثم امرت بايلاج ذلك الحديد الجمر في دبر زوجها. و بعد ان تم ذلك الفعل السادي الفضيع امرت بحرقه كليا. وبعد ان اشفت غليلها ضد زوجها المأبون ، عادت الى لندن و حكمت الشعب الانكليزي بيد من حديد. و من يقول لا؟
يقول المثل الانكليزي :" غضب المرأة لا حدود له." A woman’s wrath knows no bounds ". لا ادري أن كانوا قد اشتقوا هذا المثل مما فعلته هذه الملكة. و لكن الحكاية على فضاعتها تكشف عن هذا الجانب الرقيق، وهو ان المرأة الانكليزية منذ تلك السنين القصية ، تعتد وتتمسك بشخصيتها فتجيش الجيوش و تخوض المعارك و تنتصر و تحكم. الحقيقة ان الانكليز كثيرا ما يتباهون بأن اعظم امجادهم التاريخية جرت من افعال المرأة. فعلى جسر وستمنستر نجد تمثال العربة الحربية التي ركبتها الملكة بوديشيا في قيادة جيشها ضد الاحتلال الروماني. وفي القرن السادس عشر حققت الملكة اليزابث الاولى ذلك النصر المبين في معركة الارمادا ضد الاسطول الاسباني، اكبر اسطول في اوربا عندئذ. و خلال حياة الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر، استطاعت بريطانيا ان تبني تلك الامبراطورية التي لم تغب الشمس عن اراضيها. وفي جيلنا هذا ، رأينا كيف تمكنت مرغريت ثاتشر ان تحدث هذه الثورة في الاقتصاد العالمي ، ثورة اقتصاديات السوق. و ها هنا نجد الملكة ايزابلا تطهر البلاط من اللواطة – او هكذا تصورت.

No comments: